le68.ma: العيون
تلقت التنسيقية الوطنية لدكاترة وزارة الاقتصاد والمالية باستغراب كبير مضمون جواب السيدة وزيرة الاقتصاد والمالية بتاريخ 28 مارس 2024، على سؤال كتابي موجه لها من أحد المستشارين بالغرفة الثانية، يتعلق موضوعه بتسوية وضعية الموظفين حاملي شهادة الدكتوراه بوزارة الاقتصاد والمالية. حيث جاء فيه أن المؤسسات الجامعية ومؤسسات تكوين الأطر هي الفضاء الأنسب لاستثمار كفاءات موظفي وزارة الاقتصاد والمالية الحاملين لشهادة الدكتوراه، وهو ما يتعارض مع فلسفة اصلاح التعليم العالي التي استهدفت شرعنة هندسة للشهادات على المستوى الوطني (الاجازة-الماستر-الدكتوراة) ، تكون قادرة على الرفع من الأداء النوعي للفعل العمومي بشكل عام، ويوضح أن هناك تعامل انتقائي داخل وزارة المالية مع الشواهد الوطنية المنصوص عليها بنص تشريعي.
تأكيد المشرع العادي المغربي على أن الدكتوراه شهادة وطنية يعني بالأساس أن هذه الشهادة من المفروض أن يتم تنزيلها داخل (الإدارات العمومية-المؤسسات العمومية-الجماعات الترابية )، وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه الكل من وزارة الاقتصاد والمالية فتح الأوراش المتعلقة بتنزيل مغرب الفعالية ومغرب النتائج ومغرب المؤشرات المرتبطة بقياس الفعالية، مع ما يتطلبه ذلك من الاعتماد على جميع الموظفين بقطاع المالية ومنهم أصحاب الشواهد النوعية العليا المنصوص عليها بنص تشريعي، من أجل الرفع من الأداء النوعي لوزارة اعتبرت دائما ومنذ استقلال المغرب كالرافعة النوعية للفعل الحكومي بالمغرب(بناء الاقتصاد الوطني بعد الاستقلال مع الوزير عبد الرحيم بوعبيد- تأهيل المغرب لمواجهة سياسة التقويم الهيكلي مع الوزير عبد الرفيع الجوهري-الإصلاح الضريبي مع الوزير محمد برادة- الإصلاح الميزانياتي مع الوزير فتح الله ولعلو)، مما كان يفرض على السيدة الوزيرة تعبيد الطريق للوزارة من أجل أن تلعب الدور المنوط بها في إنجاح الأوراش الكبرى للمؤسسة الملكية، والإسراع بتنزيل البرنامج الحكومي، من خلال الفلسفة التدبيرية الجديدة مع ما يتطلبه ذلك من ضرورة الاعتراف بالكفاءات النوعية التي تزخر بها الوزارة، ومن ضمنهم الحاصلين على شهادة وطنية عليا(الدكتوراه). وزارة المالية كان من المفروض باعتبارها وزارة نوعية أن تكون سباقة لتزيل الشهادة الوطنية العليا داخل القطاع المالي وليس التنكر لها و اعتبارها فقط شهادة للتكوين بالتعليم العالي في تحدي مكشوف للقانون، وفي هذا السياق تؤكد التنسيقية على التالي :
تدعو المسؤولين داخل وزارة الاقتصاد والمالية إلى عدم تجاهل مطلب تسوية وضعية دكاترة وزارة الاقتصاد والمالية، في الوقت الذي انكبت فيه على تسوية وضعية حاملي شهادة الدكتوراه بقطاعات وزارية أخرى، كما هو الشأن بقطاع التربية الوطنية. وتعتبر ربط استثمار كفاءة حاملي شهادة الدكتوراه بمؤسسات التعليم العالي والمعاهد ومؤسسات تكوين الأطر حصرا دون باقي المرافق العمومية، قصورا في التعاطي مع توصيات لجنة النموذج التنموي التي أكدت في تقريرها على ضرورة أن تصبح شهادة الدكتوراه أرقى شهادة في تقدير الأمة. ومعيارا لتثمين كفاءات صناع القرار في القطاعين العام والخاص؛
تذكر السيدة الوزيرة على أن القانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي وخصوصا المادة الثامنة منه تحدد بشكل قطعي: “ينظم التدريس بالمؤسسات الجامعية في مسالك وأسلاك ومجزوءات ويتوج بشهادات وطنية”، وبالتالي على السيدة الوزيرة أن تعلم أن القانون يعتبر الشواهد الجامعية شواهد وطنية(دون أي تمييز بينهما)، مع التذكير أن القانون يعتبر أسمى تعبير عن إرادة الامة والكل ملزم بالامتثال له كما ورد في الفصل السادس من الدستور. كما نذكر السيدة الوزيرة أن المادة الرابعة من المرسوم المتعلق باختصاص المؤسسات الجامعية وأسلاك الدراسات العليا وكذا الشهادات الوطنية المطابقة يؤكد على: “تشمل أسلاك الدراسات العليا بالمؤسسات الجامعية ذات الولوج المفتوح على، سلك الاجازة-سلك الماستر-سلك الدكتوراه”، تأكيد المشرع المغربي على أن الشواهد الجامعية هي شواهد وطنية وتوضيح المشرع التنظيمي على أن هذه الشواهد هي (الإجازة-الماستر-الدكتوراه)، كان يفرض على كل القطاعات الوزارية تنزيل الشواهد الوطنية (الدكتوراة-الماستر-الاجازة)داخل هرمية التوظيف بدل العمل على استثناء شهادة وطنية(الدكتوراه) من هرمية التوظيف داخل بعض القطاعات الوزارية، مما يعتبر حيفا وتمييزا ضد شهادة وطنية منصوص عليها بنص تشريعي ومن المفروض أن يتم تنزيلها من خلال المراسيم الخاصة بالشواهد المطلوبة لولوج الوظيفة العمومية، وبالتالي يطرح السؤال على السيدة الوزيرة إلى متى يستمر تجاهل بعض القطاعات الحكومية لأعلى شهادة وطنية بالبلاد؟؛
تدعو السيدة الوزيرة للاطلاع على التجارب المقارنة و خصوصا التجربة الفرنسية، حيث عمد المشرع العادي من خلال قانون على دعوة السلطة التنظيمية لاحترام الشواهد الوطنية العليا في البلد وخصوصا شهادة الدكتوراه والعمل على ادماجها في هرمية التوظيف داخل الوظيفة العمومية العليا بفرنسا، بل وعمل كذلك إلى إقرار آلية لتتبع تنفيذ تنزيل شهادة الدكتوراه داخل الوظيفة العليا من خلال قانون 2013، بينما في التجربة المغربية لا زال تهميش شهادة وطنية عليا مستمرا إلى اليوم مما يمس بشكل الديمقراطية المغربية من خلال أولوية الشيء المقرر تنظيميا (مراسيم التوظيف داخل الوظيفة العمومية) على الشيء المشرع(قانون تنظيم التعليم العالي بالمغرب)، وبالتالي نطالب السيدة الوزيرة بالعمل على العودة إلى مظلة المشروعية القانونية من خلال تنزيل مقتضيات قانون تنظيم التعليم العالي ،(من خلال دمج شهادة الدكتوراه باعتبارها شهادة وطنية) داخل النظام الأساسي للمالية عاجلا؛
تعتبر الجواب المقدم بمثابة دعوة صريحة لجميع موظفي الوزارة حاملي شهادة الدكتوراه للالتحاق بمؤسسات التعليم الجامعي ومؤسسات تكوين الأطر، وإفراغ قطاع الاقتصاد والمالية من أطره، وهو ما يشكل تراجعا عن السياسة القطاعية لوزارة الاقتصاد والمالية، التي من المفروض أن تولي أهمية خاصة للاستثمار في الرأسمال البشري. وفي هذا الإطار نثير انتباه السيدة الوزيرة أن عالم اللايقين وعالم يعتمد على تدبير المجهول و عالم يعرف تغييرات تكنولوجية متسارعة، وعالم يشهد كذلك تغييرات متسارعة فيما يخص العقليات و طرق الفعل وكذلك التغييرات المتسارعة المتعلقة بانتظارات المواطنين، مما يتطلب الإبداع والابتكار في توقع الإشكالات الكبرى للسياسات العمومية، ويتطلب الإبداع والابتكار في إيجاد الحلول وتصور السيناريوهات البديلة، من أجل البحث عن الأجوبة وإيجاد الحلول للمشاكل المعقدة التي يتميز بها عالم اليوم. مما يبرز الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى للكفاءات النوعية التي تتوفر على شهادات وطنية عليا والتي تكونت على البحث ومن خلال البحث في سلك الدكتوراه من أجل ابتكار الحلول السريعة والمناسبة ومن أجل تطوير الوظيفة العمومية والفعل العمومي بالمغرب.
تدعو السيدة الوزيرة إلى تعديل موقفها من المطالب المشروعة لهذه الفئة عبر التعاطي المسؤول مع مقترحاتها الواردة بالمذكرة التي سبق إيداعها بالوزارة معتبرة فئة الموظفين الدكاترة خزانا للكفاءة العلمية والخبرة في شتى المجالات، وأنها تبقى رهن إشارة وزارة الاقتصاد والمالية للمساهمة في إعداد و تطوير و تحديث كل برامجها و أوراشها، و كذا السهر على مختلف التكوينات المهنية المتخصصة و التكوين المستمر والبحث العلمي داخل الإدارة بشكل عام.
تذكر السيدة الوزيرة أن تنفيذ الأوراش الكبرى و تصور وتنفيذ السياسات العمومية وقياس أثر السياسات العمومية يتطلب حتما الاعتماد على الكفاءات البشرية التي تتوفر على الشواهد الوطنية سواء الشواهد المرتبطة بالتصور أو الشواهد المرتبطة بالتنفيذ دون تمييز أو إقصاء لشهادات معينة (شهادة الدكتوراه) لأن بناء مغرب المستقبل يحتاج إلى كل الكفاءات وخصوصا منها الكفاءات النوعية العليا المدربة على البحث وإيجاد الحلول .
تذكر السيدة وزيرة الاقتصاد والمالية بمضمون مذكرتها المرفوعة إلى المسؤولين عن القطاع والتي تطالب من خلالها بتسوية وضعيتها من داخل النظام الأساسي المنشود، وذلك عبر إقرار وضع اعتباري ومادي يتناسب ومكانة هذه الكفاءات داخل الوزارة، وتعتبر نفسها مكونا أساسيا ينبغي عدم التفريط فيه والدفع به نحو قطاعات وزارية أخرى، وفي هذا الإطار تحيط علما أن تأهيل الإدارة المغربية لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين يحتم التوفر على سياسة حكومية تستهدف استثمار الكفاءات البشرية الحاصلة على شهادة الدكتوراه ،سواء فيما يتعلق بالمهام المرتبطة بالقيام بالدراسات أو المهام المرتبطة بالبحث وإيجاد الحلول مع إمكانية الاستفادة من هذه الكفاءات كذلك في المهام المرتبطة بالتكوين الأساسي والتكوين المستمر لأطر واعوان الوزارة ومواردها البشرية ،من خلال معهد المالية ومراكز التكوين وغير ذلك من المهام ذات الصلة.