الصحافة الجهوية بالصحراء المغربية… واقع معركة طاحنة بين الاستقلالية وتحديات التضليل

لو68.ما : العيون_ بقلم: إبراهيم أبهوش
في خضم التحولات السياسية والاجتماعية والتنموية العميقة التي تشهدها الأقاليم الجنوبية، تظل الصحافة الجهوية بالصحراء المغربية أحد القطاعات الحيوية التي تجد نفسها دائمًا في طليعة المعارك الوطنية المصيرية. منذ الاستقلال إلى اليوم، لعبت هذه الصحافة دورًا محوريًا في نقل الحقائق والدفاع عن القضايا الوطنية، لكنها باتت اليوم في مواجهة مفتوحة مع حملات التضليل والأخبار الزائفة والإشاعات المغرضة، إلى جانب التحديات البنيوية التي تعيق استقلاليتها وتضعف قدرتها على التأثير وطنياً ودولياً.
وفي ظل هذه المعطيات، يبرز مشروع الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي ومستدام للنزاع المفتعل، وهو ما يتطلب صحافة جهوية قوية قادرة على مواكبة هذا الطرح، والترويج له داخليًا وخارجيًا عبر سردية إعلامية متماسكة. الحكم الذاتي ليس مجرد رؤية سياسية، بل هو مشروع شامل يُجسد تحولًا اقتصاديًا وتنمويًا عميقًا، يهدف إلى خلق بيئة مستقرة ومزدهرة في الأقاليم الجنوبية. ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحًا: هل تمتلك الصحافة الجهوية القدرة الكافية لتقديم صورة واضحة وموضوعية عن هذا النموذج التنموي للرأي العام الوطني والدولي؟
الصحافة الجهوية بالصحراء المغربية يجب أن تكون أكثر من مجرد ناقل للأخبار؛ بل عليها أن تتحول إلى قوة تحليلية واستقصائية تبرز نجاحات النموذج التنموي الجديد، وتدحض المزاعم المغرضة التي تحاول التشويش على هذا المشروع الطموح. الصحفيون الجهويون، رغم محدودية الإمكانيات، كانوا ولا يزالون في مقدمة الدفاع عن المكتسبات الوطنية، متسلحين بمهنية عالية، ورؤية واضحة، واستعداد دائم لخوض معركة التأثير الإعلامي رغم غياب الدعم المؤسسي الكافي.
على مدار السنوات الماضية، واجهت الصحافة الجهوية بالصحراء المغربية تحديات جسيمة، أبرزها ضعف التمويل، غياب البنية التحتية الرقمية، وافتقادها للدعم المؤسساتي المستدام، مما أثر على استقلاليتها وجعل استمراريتها رهينة لاعتبارات اقتصادية وسياسية. هذه الصحافة، التي كانت ولا تزال صوت الصحراويين في وجه التضليل الإعلامي منذ التسعينات، لم تحظَ بالاعتراف الكافي من المؤسسات الرسمية، رغم أن الصحفيين المحليين خاضوا معارك إعلامية طويلة بمجهودات شخصية ونضالية، حبًا في الوطن ودفاعًا عن مكتسباته.
مكانة الصحافة الجهوية لدى ساكنة الصحراء المغربية تُعد إحدى نقاط القوة التي يجب الاستثمار فيها، فهي ليست مجرد وسيلة إخبارية، بل فضاء يُفتح أمام مختلف الفئات المجتمعية للتعبير عن آرائها وانشغالاتها، مما يعزز الثقة الكبيرة التي تحظى بها ويجعلها أكثر ارتباطًا بالواقع المحلي. هذه العلاقة المتينة تمنحها قدرة استثنائية على التأثير، لكنها بحاجة إلى تطوير شامل يجعل الصحافة الجهوية أكثر استقلالية في أدائها، وأكثر جرأة في معالجة القضايا الحيوية بعيدًا عن أي تبعية أو انقياد لخطابات رسمية تُقلل من دورها الحقيقي في خدمة المجتمع.
التحديات التي تواجهها الصحافة الجهوية لا تقتصر فقط على التمويل، بل تمتد إلى الحاجة الملحة للاندماج في الدبلوماسية الإعلامية الموازية، بحيث يكون لها حضور قوي في المشهد الدولي، قادرة على مجابهة الحملات الدعائية التي تستهدف وحدة المغرب الترابية. لماذا لم يتم حتى الآن تطوير سياسة إعلامية متكاملة تدمج الصحافة الجهوية ضمن الإستراتيجية الدبلوماسية للمملكة؟ وكيف يمكن للصحافة الجهوية أن تكون جزءًا من هذه المواجهة، مستفيدة من التحولات الرقمية، ومنصات التواصل الاجتماعي، والقنوات الإخبارية العالمية؟ وكذلك من الحضور الدبلوماسي الدولي اللافت، والنموذج التنموي الشامل، والأمن والاستقرار الضامن للحريات وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في شموليتها.
لا ينبغي أن تبقى الصحافة الجهوية رهينة شعارات التوصيف والتسويف، بل يجب أن تُترجم إلى إجراءات فعلية تضمن استقلاليتها المالية وتعزز قدرتها على الإنتاج الإعلامي الاحترافي. لماذا لا يتم تخصيص موارد مالية مضاعفة لهذه الصحافة؟ وهل هناك إرادة سياسية لتطوير بنياتها التحتية لتصبح عنصرًا أساسيًا في معركة الدفاع عن القضايا الوطنية؟
تتواجد الصحافة الجهوية بالصحراء المغربية في خطوط التماس، حيث تتكثف الهجمات الإعلامية المضادة التي تخطط لها الجزائر والبوليساريو وفق استراتيجية مدروسة تستهدف زعزعة الاستقرار والتأثير على الرأي العام. ومع ذلك، لا تزال هذه الصحافة تواجه جميع مخططات الأعداء بإمكاناتها الذاتية المتواضعة، وتستمر في معركتها رغم غياب الدعم المؤسسي المستدام، رغم تأكيد وزير الثقافة والشباب والتواصل في عدة مناسبات على ضرورة دعم الصحافة الجهوية بشكل استثنائي في الأقاليم الجنوبية.
الكل يشهد أن الصحفيين الجهويين في الصحراء المغربية أثبتوا كفاءة مهنية عالية، لكنهم بحاجة إلى بيئة عمل أكثر استقرارًا، تتيح لهم تطوير أدواتهم الإعلامية وفق أحدث المعايير الدولية. كيف يمكن لهؤلاء الصحفيين أن يؤدوا دورهم الكامل إذا ظلت إمكانياتهم محدودة؟ ولماذا لا يتم الاستثمار الجدي في التكوين المستمر لهم، لضمان تفاعلهم مع المشهد الإعلامي الدولي ومواكبة الأساليب الحديثة في إنتاج المحتوى؟ دعم هؤلاء الصحفيين يجب أن يتجاوز مجرد الوعود ليصبح حقيقة تُمكنهم من أداء مهامهم بفعالية أكبر.
وإذا كانت الصحافة الجهوية هي الحصن الأول في مواجهة الأخبار الزائفة، أليس من الضروري دعمها بإستراتيجية وطنية تتكامل فيها المؤسسات الإعلامية الجهوية ضمن مشروع واحد يخدم المصالح العليا للبلاد؟ فلا يمكن أن تبقى الصحافة الجهوية بالصحراء المغربية حبيسة وضعها الحالي، بل يجب أن تتحول إلى قوة إعلامية مستقلة تمتلك الأدوات اللازمة لمواجهة التحديات الراهنة.
المغرب اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء صحافة جهوية قوية قادرة على المنافسة دوليًا، ولكن هل سيتم اغتنام هذه الفرصة أم ستبقى هذه الصحافة رهينة للوعود الرسمية دون خطوات فعلية تضمن استقلاليتها وفعاليتها؟