سيدي اسباعي:LE68.MA
في خضم تسارع الأحداث والوقائع بين استقالة وطرد وخروج إعلامي، وما يرافق ذلك من ردود الأفعال، يتأكد لنا بما لا يدع مجالا للشك أن المشهد السياسي لجهة العيون الساقية الحمراء بات يشهد دينامية وحركية، كانت مفقودة خلال السنوات الأخيرة لأسباب عديدة، فذلك المشهد الستاتيكي جعل الغالبية تعتقد باستحالة الوقوف في وجه هيمنة القطب الواحد، والقطع مع بروباغندا (ملك الصحراء) بين آلاف الأقواس.
فخلال خروج المستثمر والسياسي المعروف حسن الدرهم للحديث عن الفساد المالي والإداري داخل مجلس جهة العيون الساقية الحمراء مقدما دلائله بالوثائق والأرقام، حاول البعض أن يخرج الأمر عن سياقه تحت طائلة أنه لم يتحدث إلا بعد أن تم الحجز على ممتلكاته وإفلاسه، وما إلى ذلك من النعوت والتوصيفات البعيدة كل البعد عن جوهر النقاش العام والمرتبط بوجود شبهات الفساد والتورط في تبذير أموال الدولة داخل جهة صرفت عليها الدولة ميزانية ضخمة تفوق 80 مليار درهم، من أجل تمويل مشاريع وأوراش تنموية تقطع الطريق أمام المتربصين بمصير الصحراء وأهلها وأعداء الوحدة الترابية للمملكة.
الواقع يثبت اليوم أمام كل الأحداث المتسارعة، أن هناك موجة قوية لمواجهة تغول وهيمنة يحاول البعض أن يفرضها بمغالطة الرأي العام، وإيهامه بمباركة الدولة لكل ممارسات هولدينغ الفساد وهدر المال العام، كيف لا واليوم يصرخ أيضا المستثمر والبرلماني عبد الحي حرطون عن صمته، متهما في هذا الإطار رئيس مجلس جماعة العيون مولاي حمدي ولد الرشيد بعدم الامتثال لتطبيق قرار قضائي يقضي بتسليمه شهادة إدارية رفض تسليمها له قبل أن يلجأ إلى القضاء، واقعة شكلت بدورها دليلا واضح على إحكام القبضة على الاستثمار واحتكاره، بل وجعله رسما مملوكا لعائلة معينة دون غيرها سواء من المستثمرين الأجانب أوالعائلات المعروفة بمدن وأقاليم الصحراء.
بالتأكيد أن التوجيهات الملكية السامية، فيما يخص تشجيع الاستثمار وخلق فرص الشغل للشباب الصحراوي بالأقاليم الجنوبية والميزانيات التي أمر الملك محمد السادس بضخها في المنطقة من أجل إنجاز الأورش والمشاريع الخاصة بالنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، لم تنص على حشد المواطنين بملعب الشيخ محمد لغظف، في مشاهد حاطة من الكرامة الإنسانية من أجل استلام “دريهمات” مبادرة التنمية البشرية، فكيف تقوم الدنيا ولا تقعد في مواجهة مبادرات مثل “جود” وغيرها، في وقت لا تحرك فيه السلطات أي ساكن حين يتعلق الأمر باستغلال مبادرة التنمية البشرية من أجل إجبار المواطنين على التصويت في الانتخابات لحزب معين، الخروقات لا تعد ولا تحصى ولسنا بصدد جردها، وقد نأتي على ذلك إذا لزم الأمر ذلك.
لربما يكون تشبيب النخب السياسية مفيدا في تغيير هذا الواقع، إلا أنه يصطدم اليوم بجدار يسميه فاسدوا المركز بالامتثال لتحالف الأغلبية، أغلبية همها الحفاظ على مركزية مصالح من يقودونها، وإن كان ذلك على حساب مصالح المواطنين على المستوى المحلي.
والأمر هنا من خلال الفقرة الفضيحة التي جاءت في بيان المكتب السياسي لحزب الاصالة والمعاصرة، والتي حاول فيها وهبي تبرير طرده للبرلماني محمد سالم الجماني عن دائرة العيون، يبرز أن عذر عبد اللطيف وهبي أقبح من زلة البيان الشوهة.
ودون العودة إلى أن ثروة محمد سالم الجماني وعائلته، والتي تستطيع تمويل الآلاف من حزب البام بواسطتها، ثم لنفترض أن الأمر فعلا واقعي وأن محمد سالم الجماني لم يلتزم بدفع 3000 درهم، فماذا عن تجميد عضوية هشام المهاجري خاصة وأنه نتيجة السياق ذاته؟ ما يثير الاستغراب والتساؤل هل يتعلق القرار بالفعل بموضوع الالتزامات المادية؟
الملاحظ هنا، أن هناك تيارا قويا أصبح يشكل “خطر داهم” على شاكلة الرئيس الشعبوي في تونس “قيس سعيد”، وهذا ما يجسده الحضور القوي للشاب محمد سالم بداد في قيادة المعارضة داخل مجلس جماعة العيون، والذي أصبح شوكة في حلق أغلبية لم تتعود على هذا النوع من الشباب داخل المجلس، ومن المرجح بنسبة كبيرة أن يكون هذا هو سبب طرد محمد سالم الجماني من الحزب والحالة هذه أن يكون مولاي حمدي ولد الرشيد لجأ للضغط مركزيا خاصة وأنه سيطر على مركزية حزب الاستقلال، ومن الممكن أن يكون قد لوح بالتهديد بانسحاب حزب الميزان من الأغلبية، وهذه هي الورقة التي تضع أمناء الصدفة في باقي أحزاب الأغلبية في موقف ضعف واختيار التضحية بمنتخبيهم في الصحراء، عوض ترك المجال لهم في ممارسة مسؤولياتهم ومهامهم الدستورية.
إذا ما نظرنا إلى متابعة وعزل برلمانيين ورؤساء جماعات داخل عدد من أقاليم وجهات المملكة ، فإن عدم تطبيق المساطر والتعليمات التي وجهها وزير الداخلية السيد عبد الوافي لفتيت إلى مختلف الولات والعمال، والتي تنص على تطبيق المساطر القانونية الخاصة بالعزل في حال وجود خروقات قانونية، فإن الأقاليم الجنوبية تظل استثناء من حيث تطبيق القانون والتحقيق في شبهات الفساد المالي والإداري، وضع يبعث على التساؤل، بشأن إنهاء المتحكمين في قمرة إدارة ملف الصحراء مسألة التعامل بمنطق خصوصية المنطقة والاستثناء لم يعد أمر مجديا، وأصبح يستدعي تغيير هذه السياسة بفسح المجال أمام نخب جديدة بأيادي نظيفة لم تتورط يوما في “الصريط والمريط” ؟؟؟ فمتى ينتهي اختباء رموز الفساد تحت مظلة “الصحراء استثناء”؟