لطالما ارتبط اسم مدينة طرفاية، الواقعة على الساحل الجنوبي للمغرب، بتاريخ حافل بالانفتاح على الخارج، حيث شهدت المدينة تواجد قوى أجنبية متعددة على مدار القرون الماضية، من الإسبان والبرتغاليين مرورًا بالإنجليز وانتهاءً بالفرنسيين. هذا التفاعل مع العالم الخارجي منح طرفاية طابعًا ثقافيًا وجوهريًا خاصًا لا يزال حاضرًا في معالمها وشخصياتها التاريخية.
أنطوان دو سانت إكزوبيري.. الطيار والكاتب الشهير
أحد أبرز الأسماء التي طبعت تاريخ طرفاية هو المؤلف والطيار الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري (1900-1944)، الذي عاش في المدينة بين عامي 1927 و1929. خلال هذه الفترة، عمل على تأمين وإدارة البريد الجوي، وهو ما ألهمه لاحقًا لكتابة روايته الشهيرة الأمير الصغير، التي أصبحت من كلاسيكيات الأدب العالمي وترجمت إلى أكثر من 200 لغة ولهجة.
في عام 2004، تأسس متحف أنطوان للبريد الجوي في طرفاية، ليكون شاهدًا على هذه المرحلة المميزة من تاريخ المدينة. ويعرض المتحف مقتنيات وأرشيفًا يوثق الدور الذي لعبه البريد الجوي في الربط بين القارات، إلى جانب ذكرى إقامة سانت إكزوبيري.
يحضيه ولد معطى الله.. حامي البريد الجوي
من الشخصيات المغربية التي تركت بصمة بارزة في تاريخ البريد الجوي بمدينة طرفاية، يبرز اسم يحضيه ولد معطى الله ولد أحمد ولد حمد (1889-1989)، أحد شيوخ قبيلة إزرݣيين. تولى يحضيه بين عامي 1924 و1933 مهمة حماية الطائرة الخاصة بالبريد الجوي وممتلكاتها أثناء توقفها في طرفاية. دوره كان حاسمًا لضمان سلامة الطيارين والطائرات، التي كانت تربط بين أوروبا وإفريقيا ثم أمريكا الجنوبية.
احتفال سنوي بذكرى تاريخية
تكريمًا للرواد الذين ساهموا في نجاح مشروع البريد الجوي، تنظم مدينة طرفاية سنويًا احتفالًا يحضره أبناء وحفدة العاملين في هذا المشروع. ويعد هذا الحدث فرصة للتذكير بتاريخ المدينة ومساهمتها في ربط القارات عبر الجو، بالإضافة إلى الاحتفاء بالإرث الثقافي والإنساني الذي خلفه هذا المشروع الطموح.
طرفاية.. بوابة بين القارات
لا تقتصر شهرة طرفاية على تاريخها مع البريد الجوي، بل تتميز المدينة أيضًا بمجموعة من المباني والأماكن التاريخية التي تشهد على تعاقب الحضارات عليها. هذا الإرث الثقافي والتاريخي يجعلها واحدة من أبرز المدن التي جمعت بين التراث المحلي والتأثيرات العالمية، مما منحها طابعًا فريدًا يستحق الاستكشاف والاحتفاء.